هناك أيضاً المدارس أو الاتجاهات الأنتربولوجية.
الأنتربولوجيا بأنواعها: الثقافية أو الدينية عندما تدرس أحوال الشعوب -وفعلاً خُصص باحثون لدراسة الشعوب وأحوالها- وُجد أن المسألة أعمق بكثير مما كان فريزر يقوله, مثلاً: في الغصن الذهبي، وجد أن القضية ليست بالبساطة الشديدة عندما ننظر إلى الإنسان كحقيقة إنسانية نفسية، نجد أن هناك أعماقاً بعيدة جداً, وأغواراً في النفس الإنسانية, ومطامع ورغبات وأهواء وشهوات، كما نجد أن اختلاف المعبودات، هل هي قوى خفية؟! هل هي كما يسمونها الأرواح الخفية؟! نجد علاقات مشتركة تفسر لماذا نجد نفس النوع من العبادة؟!
الأهرام موجودة في مصر -مشهورة يعرفها العالم كله- لكن موجودة أيضاً في الكونغو! وموجودة في اليابان! وموجودة في أمريكا الجنوبية! فهناك روابط خفية تربط هذه الحضارات.
قضية المنقذ أو مخلص للعالم تجدها مثلاً في عدة أديان، أو من هو هذا المخلص ومن يكون؟! هل هو نبي آخر الزمان -كما سوف نوضح إن شاء الله تعالى- أو المهدي المنتظر كما عند العقيدة الزرادشتية وفي العقيدة البراهمية ثم انتقل إلى الشيعة الإمامية مثلاً- أشياء كثيرة جداً يدرسها علم الأنتربولوجيا لينقلنا إلى أعماق ويفتح لنا أبواباً مجهولة، هو لا يعطي أجوبة, وليس شرطاً أن نأخذ منه أجوبة؛ لكنه يفتح النظرة لنا على نوافذ وعوالم مجهولة جداً لا نستطيع أن نعالجها بالنظرة البسيطة الساذجة في التاريخ وغيره، التي تقول: هناك عصر حجري وهو ما قبل التاريخ وما قبل الكتابة، وهناك العصور التاريخية وهي ما بعد ذلك وببساطة انتهي الأمر!
الحقيقة أن الأمر أعمق, وأنه أعقد من ذلك, وأن كل قضية من هذه القضايا -ولا سيما ارتباطها بالدين- تحتاج إلى عمق وإلى بحث وإلى إعادة نظر.
يعجبني حقيقة في ويل ديورانت في قصة الحضارة أن له لفتات إنسانية, فنجده أحياناً يتحرر من النظريات, ويعبر تعبيراً ذاتياً شخصياً، وقد توافقه وقد تخالفه؛ لكن إذا تحرر الإنسان من التقليد فإنه قد يصل أحياناً إلى شيء من المعقولية في كلامه.
هنا موضع طريف ننقله من كلام ديورانت تحدث فيه عن شيء في الفطرة الإنسانية عند المرأة, مثلاً: حب التزين والحلي؛ فهل المرأة البدائية أو الهمجية في العصور القديمة قبل الوسائل الحديثة كان ينقصها الشعور العاطفي, والإحساس بالجمال, والتمتع بهذا الجمال؟! الحرص على الجاذبية على أن تكون منظوراً إليها بأنها ذات جمال وذات فتنة! هل يمكن فعلاً أن هذا الشيء يتأثر بالحضارة؟! بحيث نقول مثلاً: شعر الغزل أو شعر النسيب في القرن العشرين أفضل منه في القرون الأولى أو ما أشبه ذلك مثلاً؟
يتكلم عن المرأة في أيام سومر وفي فجر الحضارة فيقول: إن نساء الطبقات العليا كن يحيين حياة مترفة وكان لهن من النعم ما يكاد يعدل بؤس أخواتهن الفقيرات, شأنهن في هذا -هذا المهم- شأن النساء في جميع الحضارات؛ فالأدهان والأصباغ والجواهر من أظهر العادات في المقابر السومرية, وقد كشف الأستاذ ويلي في قبر الملكة -فلانة- عن مدهنة صغيرة من دهن أزرق مشرب بخضرة, وعلى دبابيس من الذهب رءوسها من اللازورد, كما عثر أيضاً على مثبتة عليها قشرة من الذهب المخرم, وقد وجدت في هذه المثبتة التي لا يزيد حجمها عن حجم الخنصر ملعقة صغيرة, لعلها كانت تستخدم في أخذ الصبغة الحمراء من المدهنة, وكان فيها أيضاً عصا معدنية يستعان بها على ملوسة -يعني: نعومة- الجلد, وملقط لعله كان يستعمل لتزجيج الحاجبين أو لنزع ما ليس مرغوباً فيه من الشعر، وكانت خواتم الملكة مصنوعة من أسلاك الذهب, وكان أحدهما مطعماً بفصوص من اللازورد, وكان عقدها من الذهب المنقوش واللازورد.
المهم يختم كلامه فيقول: وما أصدق المثل القائل: إنه لا جديد تحت الشمس، وأن الفرق بين المرأة الأولى والمرأة الأخيرة لا يتسع له سم الخياط.
يعني: المشاعر الإنسانية واحدة قد تتاح الظروف، والله تعالى قسم بين العباد معيشتهم في الحياة الدنيا، قد يكون لأنها ملكة, فتأتي بهذه الأدوات, ولو كانت في عصور سحيقة من التاريخ، وقد تكون فقيرة فلا تستطيع التعبير عن هذه المشاعر, وإن كانت في العصر أو في القرن الحادي والعشرين؛ لكن أياً كانت هي امرأة لها مشاعرها ورغباتها وتطلعاتها وكذلك الأمر في كل القضايا.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع